الهوية والاختلاف في الرواية النسوية في المغرب العربي
- رقم التصنيف الدولي : 978-9933-536-74-9
- التصنيف: دراسات أدبية
- تأليف: سعيدة بن بوزة
- سنة الاصدار: 2016
- القياس : 24×17
- عدد الصفحات : 304
الوصف
إن المنجز المتحقق في الإبداع الأدبي النسائي والروائي منه بالأساس، جعل منه ظاهرة أدبية لافتة في الأدب المغاربي المعاصر كما في خطابه النقدي: تنظيرا وممارسة، ما فتئت تجتذب إليها المبدعات اللاتي استجبن إلى سلطة إغراء الرواية فأقبلن يجربن مسالك إنشائها وهن الوافدات إليها من مدائن الشعر وتخوم القصة القصيرة وعوالم الفن التشكيلي، والتي يبدو أنّها ضاقت عنهن أمام رحابة الرواية وانفتاحها، ومن ثمّ قدرتها على إشكاليات وجودهن الفردي وهموم واقعهن الاجتماعي في شتّى أبعاده ومختلف تحولات هياكله وأنساقه التي يحتكم إليها، ويتنازعها تيار الأصالة والمعاصرة، العراقة والحداثة، والمحافظة والإنفتاح وذلك بقصد إعادة تشكيل كياناتهن عبر فعل الكتابة، نشدانا لاسترداد هويتهن المشتتة و إثبات وجودهن المختلف وخصوصيتهن المتفردة، إستنادا إلى كون اختلاف البيان/ الكتابة، لتكون هذه الأخيرة سبيل تحرير الأنثى من قيود المتوارث بكل ارغاماته وإكراهاته الناجمة عن هيمنة السلطة الذكورية، التي دأبت على تكريس أشكال نفوذها مقابل تهميش وظيفية الكيان المؤنث وتعميق صور تبعيته للآخر الرجل في تعدد نماذجه و تنوع أدواره، فيتحول تبعا لذلك إبداع المرأة الأدبي وفي شتى تنويعاته الأجناسية ومنها جنس الرواية إلى نوع من الاقتصاص من المنظومة الذكورية المتقادمة في شتى صورها وتجلياتها، والتي ترى فيها الأنثى مصدر كل انجراحات كيانها الأنثوي وعطبها الوجودي في النص الروائي، لتعذّر ثأرها منها في الواقع، ما يجعل الإبداع الروائي النسائي المغاربي يزخر بالعلامات الدّالّة على احتفاء كاتباته بكينونة الأنثى في شتى صور ممارستها للوجود، من خلال تحويلها من الهامش إلى المركز، ومن العجز إلى الإرادة، ومن الغياب إلى الحضور، ومن الصمت إلى النطق، ومن النسيان إلى التذكر، ومن الهوية المستلبة والمعتمة إلى الهوية المستردة والمعلنة في عنفوان عبر أفانين جسدنة الكتابة.
ويندرج هذا البحث الموسوم بـ ( الهوية والاختلاف في الرواية الّنسوية المغاربية) للباحثة الجزائرية “سعيدة بن بوزة”، ضمن هذا السّياق الذي تطرح فيه كاتبات الرواية المغاربية سؤال الهوية الحارق والآرق في مختلف تجلياتها والذي يستدعي سؤال الاختلاف، لأنّ الحديث عن الهوية لا يمكن أن يكون مشروعا ومتماسكا إلاّ إذا اقترن بالحديث عن الاختلاف؛ باعتبار أنّ جوهر الهوية اختلاف أو لا يكون.
وقد عمدت الباحثة إلى تناول إشكالية هذا البحث على الصعيدين النظري والإجرائي، حيث قاربت في الأول مصطلحات: الهوية في تعدّد أنواعها بسبب تعّدد مجالات انتمائها، والاختلاف و ما يسم حدوده النظرية من علامات التباس، والأدب النّسائي، وما مثّله من جدل إبداعي ونقدي لا مؤشرات دالّة على اقتراب حسمه، بسبب تباين المواقف منه واختلاف المنظورات له، بين متبنّ لاختلافه، بحكم أنّ اختلاف الكيان ينتج ضرورة اختلاف البيان وبين ناف لهذا الاختلاف، باعتبار أنّ الإبداع الأدبي، ومنه الرّوائي يرفض مثل هذا التقسيم الجنسي لأنّ الأدب على اختلاف تجلّياته الأجناسية هو فعل إنساني يتعالى على مثل هذا التصنيف الجنسي، وأخيرا موقف بين بين، أي بين النفي والإثبات لاختلاف هذا الإبداع الأدبي النّسائي عما يبدعه الرجل، والإقرار في الآن ذاته بوجود علامات دالة على وجود مثل هذا الاختلاف.
وقد تميّزت مقاربة الباحثة النظرية لهذه المصطلحات: الهوية، الاختلاف، والأدب النسائي، والتي تشترك في طابعها الإشكالي بسمات الاستقراء المعمّق وهي تبحث عن/ وفي مفاهيمها، والتحليل الدقيق وهي تتمثل دلالاتها، والتأويل المقنع في أغلب الأحيان، وهي تسعى إلى الكشف عن مختلف أبعادها. وهي السّمات التي كرّستها الباحثة وهي تشتغل إجرائيا على مدوّنة نصية لهذه الرواية النسوية المغاربية، حيث عمدت إلى تناول تجلّيات سؤال الهوية في متونها الحكائية كما في خطاباتها السردية: الراوية والمروية في آن، وفي لغتها وأسلوبها من خلال اسثخلاصها لخلفيات تشكّل سؤال الهؤية إبداعيا، والمتمثلة في السياقات التاريخية لبلدان المغرب العربي في مرحلتي الإستعمار والإستقلال، قبل أن تتصدّى لتحليل أنواع الهوية التي تناولتها هذه الرواية النسائية المغاربية. فكانت الهوية الفردية للأنثى فاتحة البحث حيث ركّزت على أوجاع كيانها المؤنث وهويته المستلبة في مجتمعها الذكوري وسعيها إلى استردادها إثباتا لذاتها وتأكيدا لحقّها في الاختلاف، رفضا لذوبانها في الهوية الجماعية التي تسعى أشكال منظومتها المتوارثة وأنساقها المتقادمة إلى تكريس هيمنتها عليها وتعميق انجراحات كيانها المؤنث.
ثم تناولت الهوية الوطنية من خلال عطب الأفراد في علاقتهم بالوطن، ومن ثم خسرانهم رهان الإنتماء إليه نتيجة خسران الوطن لرهاناته أمام التاريخ، فكان اختيارهم المنافي أوطانا بعد أن تحوّلت الأوطان إلى منافي، وفشلت في تحقيق الانتماء إليها، في الجغرافيا كما في التاريخ، في اللغة كما في الدين، وفي سنن الأعراف كما في العادات والتقاليد. هي الهوية الوطنية المعطوبة نتيجة عطب العلاقة بين الأوطان المغاربية وأبنائها خيّب الاستقلال أفق انتظارهم.
ولم يكن جدل الهوية القومية في بعديها العربي والإسلامي، أفضل من نظيرتها الهوية الوطنية، حيث تناولت الرواية النسائية المغاربية فشل جميع مشاريع الوحدة العربية والإسلامية، والصراع الحضاري غير المتكافئ بين الأنا والآخر الغربي المزدوج الأوروبي والأمريكي في آن، ما عمّق أشكال تبعية الذات للآخر في جميع مجالات العمل والخبرة، وعمّق شروخ العلاقة بين الشعوب المغاربية وحكامها، لفشل الكثير من اختياراتهم زمن الاستقلال.
سؤال هوية يسمها العطب في مختلف مستوياتها، الفردية والوطنية والقومية، وسؤال اختلاف يسمه الارتباك و الالتباس في ظل تواصل هيمنة السلطة الذكورية على كيان المرأة وتحكّمه في مختلف صور وجودها ومنظوراتها لذاتها والعالم ونشدانها لسياقات وجود أفضل وأدوار كيان أمثل تفتقدها في واقعها المعيش، تجيدها في نصوصها بعد أن استحالت في وجودها، لتكون كتابتها الروائية بديلها عن واقعها ومدينتها الفاضلة التي تحقق فيه أحلامها وطموحاتها بعد أن عزّ عليها ذلك في الواقع، وفي ذلك نوع من المحاكمة من قبل كاتبات الرواية المغاربية، ومن خلال وصف الباحثة للمجتمعات المغاربية والعربية عامة، والتي لا تزال تحتكم إلى المتقادم من الهياكل الثقافية والمتوارث من الأنساق الفكرية والأحكام الأخلاقية وسنن الأعراف، ونوع من الإدانة لمختلف هياكل هذه المنظومة الاجتماعية وما تنبني عليه من أنساق، تعتبرها الأنثى مصدر انجراحات كيانها وعطب وجودها في شتى صوره، ما يعلل احتفائها بكيانها الأنثوي من خلال جسدنة كتابتها الروائية تكريما لجسدها الممتهن واقعا والممجّد نصا، تحقيقا لهوية ذاتها في مختلف صور تجليها ومرايا انعكاسها. وهي هوية تبقى منشودة أكثر منها موجودة، ومتصورة ذهنيا أكثر منها ماثلة واقعيا، مركزها نصوص إبداعها الروائي، المسيّج بإرغامات الواقع وإكراهات السلطة الذكورية في شتّى أشكال نفوذها وصور محظورها.
سؤال “الهوية والاختلاف في الرواية النسوية المغاربية”، للباحثة الجزائرية “سعيدة بن بوزة “، بحث معمّق في مدى امتلاك الكتابة الروائية النسائية في المغرب العربي هويتها واختلافها في مجتمعات مغاربية تدرك هوية الأنثى واختلافها كيانا وبيانا مدار مساءلة، تستمد أهميته من جرأة صاحبته على تناول قضايا -كانت إلى وقت- قريب تعدّ محظورة لاقترانها بكيان الأنثى وتوقه إلى الحرية والانعتاق من كل ما يعيق حركيته وفاعليته فيحوّله من كيان معطوب إلى كيان مريد.
أ.د بوشوشة بن جمعة
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.