المتجر

إحداثيات الزمن اللامألوف

الوصف

بخطواتٍ متثاقلة، كخطوات المساجين المُنساقين للويلات، يخطو أناك، ﻳﺒﺘﻌد عنك، يدخلُ في ‏دهليزٍ من العتمة، تنبعثُ منه أصواتٌ مبهمةٌ وهمهماتٍ مكتومة.‏
ﻳﺨﺘﺮق غابةً ﻛﺜﻴﻔﺔً من أغصانٍ متشابكةٍ، تتدلّى منها ثعابينٌ وخفافيشُ عظيمة، وكصاروخٍ معتوهٍ ‏ينطلقُ صوبك ثعبانٌ مخبول، يفتح فمه المرعب، يبعثُ فحيحاً مبحوحاً ومخيفاً، ينظر إليك بعينين ‏حمراوين مستطيلتين، ثم يقهقهُ قهقهةً حامضةً، ويتلاشى.‏
ثمة أقدامٌ تركلُ الحشائش، تلتفتُ نحو الصوت، يلوحُ شبحُ جنديٍّ دون رأس، محلُ رأسه يقبع ما ‏يشبه علامة استفهامٍ كبيرة، معصوبُ الفم بخرقةٍ، يرتدي بَزةً عسكريةً، ويحملُ بندقيةً في يده ‏المسلوخة حتى العظم، يتقدمُ صوب أناك، ﻳﺘﻌرّقُ ﺃﻧﺎﻙ، يسكنه الرعب، وكقطعةٍ من الهواءِ يعبرهُ ‏الجنديُّ دون ﺍﻛﺘﺮﺍﺙ.‏
الرؤوسُ والجماجمُ المُدلاة تقرعُ كؤوس نخبِها، وتغني أغنياتٍ حزائنيةٍ تشبه تعويذاتٍ قديمةٍ ‏ومنسيّة، يقتربُ صوبها الجندي، وبصورةٍ معتوهةٍ يطلقُ عليها وابلاً من الرّصاص، فتحلقُ ‏الرؤوسُ والجماجمُ، وترتفعُ ﻷعلى، لأعلى وأعلى، ﻳﺮﺗﻔﻊُ معها وقعُ الأغنية، تدورُ حول الجندي، ‏تدورُ، تدورُ وتدور، ثم تهوي صوبه كراجمات، تدفنه، تصيرُ كومةً كبيرةً، يخترقُ صوتُ رصاصةٍ ‏الكومةَ الكبيرة، فتشتعلُ، تشتعلُ وتشتعل، وتستحيلُ الكومةُ إلى رماد، يستحيلُ الرماد لغيمةٍ، ‏تتكاثفُ، تتكاثفُ وتتكاثف، يشقها برقٌ رهيبٌ، ثم تسقطُ ﺍﻟﻐﻴﻤﺔُ مريسةً تتلقاها الكؤوس. ﺛﻢ تنبعثُ ‏مرةً أخرى من الأغصانِ والجذوع رؤوسٌ وجماجمُ، تبدأُ في الغناء بما يشبهُ التعاويذ، تحتسي ‏المريسةَ، بينما يلوحُ في الفراغِ الضبابيّ ﺷﺒﺢُ جنديٍّ آخر. ‏
حتماً لم تُدرِك ماهيّة ذلك الجنديِّ الشبح، ولكننا كرُواةٍ، اعتقدنا أنهُ، ربما كان يجسِّد خُلاصة قُبحِ ‏الحرب.‏

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “إحداثيات الزمن اللامألوف”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *