كتاب “التاريخ الثقافي للألم”.. رسم خرائط البؤس
أصدرت “دار نينوى” في دمشق، مؤخرًا، الطبعة العربية من كتاب “التاريخ الثقافي للألم”، للفيلسوف الإسباني خابيير موسكوسو، ترجمة حسني مليطات.
يقع الكتاب في 456 صفحة، ويتألف من 8 فصول يتناول فيها موسكوسو الأشكال المتتابعة لتجسيد تجربة الأذى، والأساليب الفنية والقانونية والعلمية التي مكّنت الإنسان، خلال الفترة الممتدة ما بين عصر النهضة وصولًا إلى أيامنا هذه، من الفهم الثقافي للمعاناة الإنسانية.
ويقول مؤلف الكتاب إن: “التمثيل، والتعاطف، والمحاكاة، والتماسك، والثقة، والسردية، هي بعض الموارد البلاغية والحجاجية التي استخدمناها وما زلنا نستخدمها؛ حتى نشعر بألمنا، ونُعبّر عنه، ونمنحه بُعدًا دلاليًا، وقيمةً جمعيةً”.
وبحسب مترجم الكتاب، حسني مليطات، فإن الكتاب يتحدث عن التطوّر الدلالي لمفهوم الألم في الخطاب الديني والأدبي والفني والفلسفي وكذلك الطبي/السريري، مستعرضًا ذلك التطور من خلال تحليل نماذج تاريخية مثّلت الألم في سياقاتها الثقافية المختلفة.
وفي هذا الحوار، يتحدّث مليطات لـ”ألترا صوت” عن هذا الكتاب، ومضمونه، وما دفعه إلى ترجمته، والصعوبات التي واجهته أثناء الترجمة.
ويُذكر أن حسني مليطات باحث ومترجم فلسطيني من مواليد نابلس عام 1989. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة الأوتونوما في مدريد، ومتخصص بالأدب العربي الحديث والمقارن والدراسات الثقافية.
من ترجماته: “عندما كنا عربًا” لـ إميليو غونثالث فيرين، و”قبل النهاية” لـ إرنستو ساباتو، و”ما أجمل العيش من دون ثقافة: الثقافة كمضاد لأخطار الحماقة” لـ ثيسار أنطونيو مولينا، و”قبر المنفي” لـ خوزيه ماريا لوبيث ثونيغا، و”تيرانوفا في يومها الأخير” لـ مانويل ريفاس.
- في البداية، ما الذي دفعك إلى ترجمة الكتاب؟ وكيف وصلت إليه؟
قرأت عن الكتاب من خلال صفحة دار النشر الإسبانية عبر تويتر، فراق لي عنوانه، واطلعت على مراجعات القُرّاء والمهتمين بموضوعاته، وتواصلت مباشرة مع المؤلف، خابيير موسكوسو، وبعث لي نسخة رقمية من الكتاب، وبدأت بالقراءة فيه، فوجدته يتضمن أفكارًا قد تتناسب والقارئ العربي، لاسيما وأنّ الألم أداة من أدوات التعبير عن الذات عند الكثيرين، فقدمته إلى “دار نينوى للنشر”، وباشرت العمل على ترجمته.
- حدّثنا عن الكتاب، مضمونه وطبيعة الأفكار والأطروحات التي يتضمنها؟ وكيف تقدّمه لقراء “ألترا صوت؟
يتحدث عن التطوّر الدلالي لمفهوم الألم في الخطاب الديني والأدبي والفني والفلسفي والطبي/السريري، مُستعرضًا ذلك التطوّر من خلال تحليل نماذج تاريخية مثّلت الألم في سياقاتها الثقافية المختلفة.
يُقسم الكتاب إلى ثمانية فصول، تتضمن صورًا للوحات عالمية ونصوص أدبية ودينية وتاريخية تصوّر الألم، وتعبّر عن بُعده الدلالي/الأبستمولوجي، بالإضافة إلى مقدمتين اثنتين: الأولى مقدمة النسخة الإنجليزية (حيث صدر الكتاب باللغة الإنجليزية عام 2011)، ووضعها المؤلف في النسخة الإسبانية (الطبعة الثانية) عام 2021، حيث حظي الكتاب بمقروئية عالية في إسبانيا، وغيرها من الدول.
عنون المؤلف الفصل الأول بـ “تمثّلات”، وتحدث فيه عن ثنائيات: الألم والتاريخ، والألم والدين من خلال الحديث عن “الشهيدة العذراء”، وعن “الحروب الدينية”، و”ألم المسيح”. كما أشار في هذا الفصل إلى مفاهيم “مسرح القسوة”، و”المسرح التشريحي”، بتصوير الكفية التي تحوّل فيها الألم إلى أداة تكوينية لتمثيل الأدبي والتعبيري عن مآسي الآخرين.
أما الفصل الثاني، والمعنون بـ “المُحاكاة”، فيتحدث فيه محاكاة الأديان للألم، وعن انعكاسات الألم في النص الأدبي، لاسيما في رواية “دون كيخوته” لـ ميغيل دي ثربانتس. وفي الفصل الثالث، الموسوم بعنوان “التعاطف”، فيتحدث فيه عن “رسم خرائط البؤس”، وعن “الشعور العام” الذي يلازم الكائنات الحيّة، التي تعيش تجربة الألم والأذى، وعن “الألم المُخالف للواقع”.
أما في الفصل الرابع، المعنون بـ “الملاءمة”، فيتحدث فيه عن: “عصر الألم”، و”علامات الألم”، و”ألم الولادة”، و”مقياس الألم”. وفي الفصل الخامس، “الثقة”، يتحدث عن: “دراما اللاوعي”، و”العلاج”، و”الهلوسة الذهنية المُستحثّة”، وعن “المعاناة غير الواعية”. أما في الفصل السادس، المعنون بـ “السردية”، فيشير إلى تطوّر دلالة الألم من “الفكرة إلى الجسد”، ويفصل الحديث عن مفهوم “الفَتَشيّة (الجنسية)”، ويُميّز بين الألم “الطبيعيّ والمرضيّ”، وعلاقة الألم بـ “المازوخية والتصوّف”، والإشارة إلى “سلطة الفكرة”.
وفي الفصل السابع، المعنون بـ “الترابط”، يتحدث موسكوسو عن ترابط الألم بـ “الكيانات المراوغة”، وعن الألم و”الهوية”، وعن “ألم العُصاب”، و”ألم اللاوعي”. أما الفصل الأخير، والمعنون بـ “التكرار”، فيتحدث فيه عن: “الجحيم”، و”اسميّة الألم”، و”قصته”، وعن “دار الزهري”، وعن “الوهم بالأطراف”، وعن “مداواة الألم”، وعن “ثقافة الألم”. ويختم موسكوسو الكتاب بفصل ختامي قصير عنوانه “ما بعد الكتابة” يُجمل فيه سردية الألم في الثقافة.
- ما الذي يحاول الكتاب قوله؟ ما الغاية منه؟
تكمن الإجابة في الكلمة التي وضعها المؤلف على غلاف الطبعة الثانية من الكتاب، وهي:
“إنّ للألم، الذي يفتقر كثيرًا إلى مُبرر، تاريخًا. وفي هذا الكتاب، تجتمع الموضوعات التالية: إيماءات الشهيدات العذارى، والسخرية التي صاحبت مغامرات دون كيخوته، والتكفير عن الذنب الذي حدث سرًا داخل الأديرة، وكوميديا المازوخية الجنسية، والمسرح التشريحي في العالم الحديث، وتعبير المرضى المُخدّرين، والآلام الواعية الناجمة عن الاضطراب العصبي، والآلام اللاواعية الناتجة عن المرض العقلي. وخلافًا لما أكد عليه سيوران، الذي كان من المستحيل، بالنسبة له، اللقاء أو الحوار مع الألم الجسدي، فإنّ كلَّ صفحة من صفحات هذا الكتاب تدعو إلى هذا اللقاء، وتُعزز هذا الحوار.
وما بين التاريخ والفلسفة، يتحدث هذا الكتاب عن الأشكال المتتابعة (غير التقدمية) لتجسيد تجربة الأذى، وعن الأساليب الفنية والقانونية والعلمية، التي أتاحت لنا، منذ عصر النهضة وحتى أيامنا هذه، الفهم الثقافي للمعاناة الإنسانية. وإنّ التمثيل، والتعاطف، والمحاكاة، والتماسك، والثقة، والسردية، هي بعض الموارد البلاغية والحجاجية التي استخدمناها وما زلنا نستخدمها؛ حتى نشعر بألمنا، ونُعبّر عنه، ونمنحه بُعدًا دلاليًا، وقيمةً جمعيةً”.
- ما الصعوبات التي واجهتك أثناء الترجمة؟
وظّف الكاتب عددًا مهمًا من المصطلحات الطبية واللاتينية، ما جعلني أعود إلى القواميس المتخصصة في هذا المجال، فكان فعل ذلك مرهقًا، ولكنه، في الوقت نفسه، ممتعًا، لأنه عرّفني على عالم جديد، يُقارب بين المفاهيم، وفعل البحث عن هذه المصطلحات، جزء تكميليٌّ من اهتمامي البحثي، الأكاديمي، وهذا يهمني كثيرًا كباحث. ربما هذه إحدى أهم الصعوبات التي واجهتني أثناء ترجمة الكتاب. ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ مؤلف الكتاب أشار عليّ ببعض الكتب التي تساعدني في فهم تلك المصطلحات، فكان متعاونًا بشكل رائع.
- أثناء قراءتك للكتاب، ما هي أكثر الأفكار التي أثارت اهتمامك ولفتتك انتباهك؟
اللافت في هذا الكتاب منهجية قراءة المؤلف لمعنى الألم، وكيفية استفادته من رؤية المؤرخين والدراسين السابقين، بالإضافة إلى “الكيفية” التي حلل فيها الأعمال الفنية، والرؤية النقدية للنصوص الأدبية التي مثّلت الألم. وبالتالي، فإنني وجدت في هذا الكتاب نظرة تأويلية مهمة، يمكن الاستفادة منها في قراءة “الأشياء” التي نشعر بها، ونلامسها، ونعيش بها، قراءة غير تقليدية، نستطيع أن نستدل من خلالها عن معنى وجودنا، وذواتنا، وحياتنا.
- صدرت مؤخرًا العديد من الترجمات حول تاريخ الأشياء، مثل الضحك، البكاء، القباحة.. إلخ. ما رأيك بهذه الترجمات وظاهرة ترجمة الكتب المعنية بتاريخ الأشياء عمومًا؟ وهل جاءت ترجمة التاريخ الثقافي للألم ضمن هذا السياق؟
ربما من المحفّزات الفعلية التي جعلتني أهتم بترجمة هذا الكتاب هي قراءتي لكتاب “التاريخ الثقافي للقباحة” لـ هندرسن، وقد استفدت من رؤيته بشكل جيّد في بحثين علميين، عملتُ عليهما مؤخرًا. ولذلك، فأنا أرى هذه المؤلفات التي تدرس تاريخية الأشياء مهمة في حياتنا؛ لأنها تحاكي تجاربنا الحياتية، وتدرس ثقافتها، وتتعمق فيها من وجهة نظر مختلفة ومتعددة، فجميل أن نتعرف إلى مفهوم البكاء والقباحة في مخيال الأدباء وفكر الفلاسفة، وإبداع الفنانين والسينمائيين، فهذا يجعلنا نشعر بقيمة “الأشياء” التي تعيش فينا، ومعنا.
أما كتاب “التاريخ الثقافي للألم”، فهو يأتي في هذا السياق أيضًا، وأشار موسكوسو في إحدى فصول كتابه إلى كتاب “تاريخ البكاء”.
- هل ثمة مشاريع قادمة؟ وفي حال وجودها، هل تدخل ضمن السياق نفسه؟
نعم يوجد مشاريع ترجمة أخرى أعمل عليها، لكنها مختلفة عن هذا السياق الموضوعاتي. فأنا أعمل حاليًا على ترجمة كتاب “صمت الكتابة” للفيلسوف الإسباني إميليو ليدو.
رابط المادة:
www.ultrasawt.com/كتاب-التاريخ-الثقافي-للألم-رسم-خرائط-البؤس/الترا-صوت/مناقشات/ثقافة