مواد صحفية

تقنيات الصحافة المسموعة والمرئية: نظرة على خبايا “السلطة الرابعة”

الطيب ولد العروسي

صدر للخبير الإعلامي الدكتور رياض معسعس، كتاب بعنوان: ” تقنيات الصحافة المسموعة والمرئية” في دمشق، عن منشورات “دار نينوى”

يقع الكتاب في 292 صفحة من الحجم الكبير، ويحتوي على مقدمة وسبعة فصول وملحق “بالمصطلحات التقنية” الإعلامية باللغات الفرنسية والعربية والانجليزية.

كما نجد أن أغلب الفصول مصحوبة بصور وجداول ورسوم بيانية تسهم في تعزيز الشروح التي يعتمدها الباحث في عمله العلمي المبني على معطيات وأسس وقواعد ومقاييس متعارف عليها دوليا، إضافة إلى الحث على بلورة إستراتيجية مدروسة ومنظمة تجيب على الكثير من الأسئلة من ضمنها، لماذا هذه الصحيفة أو هذه الفضائية؟

ما المنتظر منها أن تقدمه كإضافة نوعية في ميدان الفضائيات، أو في الميدان الإعلامي، من ناحية المضمون والمهنة؟ وما هي السياسة التي تعتمدها هذه الفضائية أو تلك لكي تبني إشعاعا إعلاميا، وتصل إلى أهدافها المرجوة؟

إذ من السهل بناء أو فتح مؤسسة إعلامية، لكن من الصعب بناء نظرة إعلامية بديلة أو مميزة في عالمنا العربي بالدرجة الأولى، وما أكثر القائلين اليوم: “اعطني أموالا أفتح لك مؤسسة إعلامية”، لكن من دون أي التفات إلى صدقية الإجابة على السؤال ما هي الإضافات النوعية والتقنية والمهنية التي تحققها؟

ولا حتى الالتفات إلى هذا هو السؤال الذي على المؤسسات الإعلامية العربية أن تُجيب عليه، لكي تضمن لنفسها حداً أدنى من الشرعية والصدقية، فمن خلال هذه الإجابة يمكن بناء مؤسسة إعلامية علمية مدروسة ومتقنة.

هذا باختصار ما يطالب به الدكتور رياض معسعس، صاحب التجربة الغنية في ميدان الإعلام، والذي يعرف عن كثب كيفية عمل عدد كبير من المؤسسات الإعلامية والفرنسية والعربية، فقد عمل فيها وخبِرها وكان وراء تأسيس بعضها فأهّلته خبرته لكي يقارن بين واقع الإعلام العربي الفوضوي وبين ما يُرتجى ويؤمَل أن يكون عليه هذا الإعلام، بين “مدرستين” إن صح التعبير: مدرسة الارتجال والفوضى، ومدرسة التنظيم والبناء المدروس.

فهو بالإضافة إلى تخصصه وتجربته الغنية وتنقله في مهمات إعلامية مختلفة، صحافي متمرّس، تجلّت خبرته النظرية والعملية في وضع هذا الكتاب المرجعي الذي لا وجود له حتى الآن في المكتبة العربية. ولذا لم يحتج المؤلف إلى الإشارة إلى مراجع في آخر مؤلفه، لأنه يحفظ قواعد المهنة، وأراد لكتابه أن يكون دليلاً عملياً يفيد القارئ والمهني العربي.

ولذا فإن كتابه يعتبر المرجع الأول في هذا الميدان لكل طالب أو طالبة في الإعلام، بل يعتبر مصدرا مهما لكل من يريد أن يتعرف على خبايا ومسالك “السلطة الرابعة”.

كتاب الدكتور رياض معسعس هو بمثابة ” دليل ومنهاج عمل للصحافي ورئيس التحرير ومعد النشرة والمحرر والمخرج والطالب الراغب في ولوج عالم الصورة والصوت واحتراف الرسالة الإعلامية المرئية والمسموعة التي تُجِلُّ المعايير الصحافية الحديثة وتستفيد من التكنولوجيا المتطورة في عالم الاتصال المرئي والمسموع، وتجتذب المشاهد الذي يمتلك “سلاحاً خطيراً” هو جهاز التحكم الذي يسمح له بـ”الانتقال من محطة إلى أخرى بكبسة زر”.

كما يشدّد المؤلف في مقدمة كتابه على “الطلب الملح على الخبرات العربية”، منوها بأنه “في بعض الأحيان تمت الاستعانة ببعض الذين جاؤوا من مشارب واختصاصات أخرى لا تمت للإعلام بصلة وأسندت إليهم مهمات أرفع من مستواهم المهني والفني والفكري مما أدى إلى انخفاض مستوى الأداء بدرجة كبيرة بل أن هيبة المهنة ووقارها باتتا محط سؤال كبير”.

ويفسّر المؤلف، وهو الخبير في ميدان الإعلام، “حاجة المجتمعات العربية إلى إعلاميين مهنيين يحترفون مهنة الصحافة المسموعة والمرئية أي الإذاعة والتلفزيون تعاظمت بسبب ظهور الفضائيات العربية وانتشارها على عجل وعلى نحو فوضوي، فراحت تستقطب من كل فج عميق أفضل ما توافر من الخبرات العربية في هذا المجال لسدّ النقص الذي ظهر فجأة في الساحة الإعلامية العربية التي اكتشفت الضرورة الملحة لمثل هذه الفضائيات، وبخاصة بعد حرب الخليج الثانية”.

يخصص المؤلف الفصل الأول لمناقشة “تطور وسائل الإعلام” الذي يحتوي على الرسالة الشفوية والرسالة المكتوبة، والوسائل السمعية البصرية، إذ يقول المؤلف ” كانت الصورة في البدء أبسط أشكال التعبير.

وكانت تشكل لغة ضمن مفاهيم محددة، وظلّت الصورة برغم ظهور الكتابة الأبجدية، محافظة على وظيفتها ومكانتها” لكن لغتها تطورت ولازمت النص الأبجدي، ففي جميع الحضارات كانت الصورة “تعكس طبيعة الحضارة التي ولدت فيها وتؤرخ مراحل تطورها”.
وخصص المؤلف الفصل الثاني لمناقشة “فنيات صياغة الأخبار”، وأهمية الخبر والتركيز على الأولويات في صياغته، أي لكل الآليات التي توظف من أجل بلورة وترتيب الخبر، الذي يبدأ الصحافي نشرته به.

أما الفصل الثالث فقد خصصه “للنشرات الإخبارية” التي يعتبرها المؤلف “العمود الفقري في القنوات الإخبارية وحتى العامة منها، فلها مواعيد محددة محترمة بدقة” ويُراعى فيها ترتيب الأحداث بدقة صارمة ومدروسة، وهي تحتوي على أبواب موزعة بإتقان مثل المقابلات الصحافية وصياغة القوانين، واختيار الموسيقى التي تصاحب النشرة، والصور وكيفية معالجتها ومؤامتها مع الخبر.

يتناول الفصل الرابع “التقرير الإخباري” في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وأهمية اعتماد التقنيات الحديثة هذه الوسائل. على أن المؤلف يولي الأهمية الأولى في الصحافة المسموعة لتقنيات الصحافي الشخصية كأن يكون متمكناً من اللغة التي يستخدمها قادراً على التحكم بها.

أما الصحافة المرئية فهي تتطلب تقنيات أكثر تطورا وابتكارا، وهذا ما انعكس مباشرة على النص التلفزيوني الذي يأخذ بعين الاعتبار اللغة الجديدة، أي لغة الصورة. كما يبين المؤلف أهمية التقرير الإخباري الذي يعتبره “عماد النشرات الإخبارية، فبدونه لا يمكن إخراج نشرة إخبارية بالمعنى الصحيح للكلمة”.

وهو ككل الفصول السابقة يعتمد على تقنيات مختلفة خاصة به مثل الكتابة للصورة، العوامل الزمنية، تقرير صالة الأخبار، مراحل الإعداد، صور الأرشيف، أشكال التعبير، الخبر العاجل، إلى غير ذلك من أبواب مهمة يجب معرفتها وإتقانها حتى ينجح رئيس التحرير أو المسئول عن التقارير الإخبارية لإنجاح المؤسسة وجعلها تدخل بيوت الناس من دون أن يملوا منها أو يستعملوا “كبسة الزر” ليتحوّلوا إلى قنوات أخرى..

في الفصل الخامس وهو بعنوان: “المقابلات”، يرى الدكتور رياض معسعس بأن المقابلات “الأحاديث الصحافية مع المسئولين والشخصيات والفنانين وأفراد الشعب العاديين أو المتميّزين، الخ..” هي “إحدى فنون الصحافة المكتوبة والسمعية والبصرية، ولا غنى غنها في العمل الإخباري، أو التثقيفي، أو الترفيهي، فهي وسيلة هامة لإبداء الرأي، أو التأكد من معلومة ما..”.

هنا يحدثنا المؤلف عن أنواع المقابلات، والأوقات المخصصة لها، بالإضافة إلى تقنيات العمل فيها، ولغة الحوار التي يجب اعتمادها والتي يجب أن تكون سهلة وفي متناول أكبر شريحة اجتماعية من المستمعين والمشاهدين.

أما الفصل السادس وهو بعنوان: “تقطيع الصور” “”المونتاج”” فهو يخاطب الإعلاميين الفنيين والصحافيين المحترفين، وهو مبني على مجموعة من التقنيات الصارمة التي يجب أخذها بالحسبان، لأن المونتاج مرحلة أساسية في انتقاء اللقطات وتنضيدها وترتيبها، ثم إخراجها في قالب متراص ومنطقي، فمن الضروري أن يتقن الصحافي أساليب المونتاج. في هذا الفصل يتناول المؤلف استخدام تقنية الكاميرا التي هي بمثابة “القلم في يد الصحافي” على حدّ تشبيهه لها.

أفرَدَ المؤلف الفصل السابع من كتابه لـ”فن الإلقاء” وشدّد فيه على الصوت وبخاصة السمع وجهاز النطق عند الإنسان. فعلى الصحافي العامل في الصحافة المسموعة عليه أن يتحلّى بصوت رخيم وان تكون مخارج الحروف لديه سليمة وقادرا على التنقل من طبقة صوتية إلى أخرى، وأن يتقن اللغة العربية اتقانا جيداً.

ويشرح المؤلف بطريقة بيداغوجية في هذا الفصل كيفية عمل جهاز النطق وكيفية تقطيع النص، كما يورد مجموعة من التمارين التي تساعد الصحافي على إتقان قواعد النطق في الجملة والتنفس وقواعد قراءة الكلمة مدعما إياها بمجموعة من العوامل الضرورية للمذيع والإعلامي ليعرف كيف يتوجه للمستمعين أو المشاهدين.

من لطائف المؤلّف أنه يبدأ كل فصل من فصول الكتاب بمقولة لكاتب عربي أو غربي، تعبّر عن الجانب الأخلاقي والمعنوي في العمل الصحافي التقني، أو تذكِّر به. كما أنه ذيَّل أغلب فصوله ببعض التمارين المفيدة للقارئ سواء كان صحافياً أم لا، وأثبت المصطلحات الإعلامية باللغتين الفرنسية والانجليزية.